الاثنين، 15 أكتوبر 2012

غـيـــاب شــــاهـــد


غـيـــاب شــــاهـــد

رحـــيـم الـعبسـاوي


عندما كنت صغيراً سمعت حكاية من والدي( حفظه الله ),مازلت أتذكرها كلما رأيت القمر مكتمل بدر ومشع في وسط السماء تقول الحكاية أن شخصان ذهبا في سفر للتجارة وكان احد هم يملك مال أكثر من الثاني وأثناء السفر وقطع المسافات الطويلة وفي أحد الليالي المقمرة أراد صاحب المال القليل أن يغدر بصاحبة كي يسلبه كل ما يملك من متاع وأموال فسلط السيف على رقبته قائلا : الليلة أقتلك ولا أحد بهذه الصحراء يكون شاهداً على ذبحي لك ؟, فرد علية بلى هناك من سوف يشهد عليك .قال ومن هذا,!! قال له هذا القمر الذي في كبد السماء هو من يخبر عنك فهو دليلي عليك فرد علية الغادر بضربة فصل رأسه عن جسده واخذ ما لديه من نقود . ومرت السنوات ورجع صاحبنا إلى قريته وفي يوم من الأيام خرج في رحلة للصيد هو ومجموعة من أصدقائه وبعد يوم من الصيد الوفير وأثناء جلسات السمر رأى القمر مكتمل يرسل ضوءه إلى حبات الرمل من تحت أقدامه فضحك بصوت عالي حتى استلقى على ظهره فأنتبه من كان معه وقالوا له لماذا تضحك وأنت تنظر إلى القمر ؟ قال لهم قبل سنوات قتلت رجلا وجعل القمر عليه شاهداً فالقمر مازال صامت ولم يشهد ضدي, فعندما رجعوا وشى به أحد أصدقائه إلى أهل القتيل وتم القصاص منه , فانا اليوم تذكرت هذه الحكاية وأنا أشاهد غياب شاهد آخر يتم تفكيكه الآن وهو تانكي السماوة هذا التانكي الذي أنشئ في بداية السبعينات تقريباً  رافع قامته فوق أعلى المباني ليكون احد شواهد وشخوص مدينة السماوة بل رمز من رموزها الدالة وعنوان حملة الكثير من أبناء هذه المدينة من ضمن قواميسهم وذكرياتهم وصورهم الخاصة , وهو أسم متداول باستمرار لأنه يقع بوسط المدينة ,فتجد الكثيرين مثلا عندما يتم بينهم موعد فيقول أحدهم لصاحبة تجدني عند التانكي , و القادمين من المحافظات الأخرى وزوار المدينة الداخلين عبر شارع الجسر فيقول لصاحب السيارة أخي نزلني عند التانكي .  أما ما بعد السقوط فكان تانكي السماوة مقصد الكثيرين أمثال العمال وخاصة من يأتي من أرياف المدينة باحثين عن العمل اليومي كالبناء والأصباغ والنجارة وغيرها من المهن الأخرى فهم وجدوا مكان يعرفه الجميع يختبئون تحت ظلاله ليقيهم من حرارة الشمس وتحته قاعدة لها سور ومرتفعة يجلس عليها العمال حتى يشاهدهم كل المارة , وتانكي الكمرك كما يطلق عليه بالتسمية , أيضا لم ينساه المغتربون من أبناء هذه المدينة والذي يشدهم الحنين إلى السماوة وما لهم من ذكريات بها  حتى وصفه الشاعر كاظم جابر السماوي بتمثال الحرية في قصيدة يقول فيها:تانكي الماي

سماوي وسمعتي بولايتي وصيتي
جبتها الغربتي وبيها أنعرف صيتي   
هوى الشرجـي بعـده بالـريه أيــدور
وهـوه أمريكا عجـاج ويفـتر بريتـي
بنيـويـورك لـلــحرية أكــــو تـمـثال
شـفــته وبـطلــت رديــت تــاليــتـي
شفت روحي أسير مكلبج ابزنجيل
وشفــت التــانكي تمــثال حريتـــي .
بالتأكيد لا تنتهي الذكريات أو تغيب عن ذاكرتنا الشواهد وستظل صورة التانكي من ضمن أرشيف ذاكرتنا تحل بدلها ألف شاهد يكون له ذكرى عطرة يحملها أصحاب زمن جديد .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق